لا السيف يفعل بي ما انت فاعلة

لا السيف يفعل بي ما أنت فاعلة

مقدمة

في عالم الأدب العربي الغني والمتنوع، تجد قصيدة “لا السيف يفعل بي ما أنت فاعلة” للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مكانة مرموقة. فهذه القصيدة، التي تغزل فيها الشاعر بمحبوبته، لا تقتصر على جمالياتها اللغوية وبلاغتها فحسب، بل تحمل أيضًا معاني عميقة ودلالات رمزية متعددة.

القوة لا تصنع الحب

يؤكد عبد الملك بن مروان في مطلع القصيدة على أن القوة والعنف لا يمكن أن يصنعا الحب أو يفرضاه:

لا السيف يفعل بي ما أنت فاعلة

ولا الرماح إذا جردت تنفعني

ولا العوالي إذا نيطت بمهندي

ويح الضعيف ولا ويح من يرحمني

يشير الشاعر هنا إلى أن تهديداته بالسيف والرماح لا يمكن أن تجبر محبوبته على حبه، بل على العكس من ذلك، فإن العنف لن يؤدي إلا إلى إثارة كراهيتها له. ويؤكد أن الحب يجب أن ينبع من القلب طواعية، ولا يمكن إكراهه أو فرضه.

جمال المرأة وحده لا يكفي

يصف عبد الملك بن مروان جمال محبوبته في القصيدة بأجمل وأرق العبارات، لكنه سرعان ما ينتقل إلى ما هو أبعد من المظهر الخارجي:

لو كنت ألثم لحظي ما ألثمت سواك

ولو نظرت لعيني ما نظرت سواك

ولو ذكرت غريبا ما ذكرت سواك

ولكن الغواني كثار في بلادكم

وبعض الغواني يصبي القلب ويفتك

وجوههن إذا ما ظهرت كنهن

أصنام صخر ولكنها تنطق

يحذر الشاعر محبوبته من الاعتماد على جمالها الخارجي وحده، لأن هناك نساء كثيرات جميلات في الدنيا. ويؤكد على أن الجمال الحقيقي يكمن في الداخل، في الصفات والخصال الحميدة، وفي القدرة على إثارة القلب والعقل معًا.

العيون الناطقة

يولي عبد الملك بن مروان اهتمامًا خاصًا لعيون محبوبته، ويرى فيها لغة تتحدث دون كلمات:

وعيناك مشبوكتان كانا جميعا

قفل عليهما وقد ضاع مفتاحهما

في كل عين محاسن مائة ألف

ومنهما أطلق السحر فنضحهما

يصف الشاعر عيني محبوبته بأنهما مشبوكتان كأنهما قفل فقد مفتاحه، مما يجعل جمالهما لا يُقاوم. ويعدد محاسنهما التي لا تعد ولا تحصى ويذكر أنهما المصدر الذي ينبع منه السحر والفتنة.

الشوق والهجر

يتألم الشاعر من هجر محبوبته ويشكو من شدة شوقه إليها:

لما تذكرت مني فتوى الهجران

وخفت أن يقل الزاد فارتحلا

خيلت لي أنني في أرض مأهولة

لا أنس فيها ولا ماء ولا شجر

ألف لا ليلها إلا مقيم بنا

ولا نهارها إلا على كدر

يصور الشاعر هجر محبوبته بأنه أرض مقفرة لا حياة فيها ولا متعة، وكأنه يعيش في ليل دائم لا يرى فيه إلا الظلام والحزن. ويؤكد على أن شوقه إليها يستهلكه ويفقده القدرة على التفكير أو الشعور بأي شيء آخر.

الحب الأبدي

رغم هجر محبوبته، يؤكد عبد الملك بن مروان على أن حبه لها لن يتغير أو يزول:

ولو أن الملك قد حبسني عندها

لأعطيته الظبا والظبي والورقا

وأعطيه النساء ولا أبالي بهن

وما بقيت سوى أهواك يا فتل

ولا خلف بعهد غير ما أعده

وإني لمتيم ما حييت بها

يعرب الشاعر عن استعداده للتخلي عن كل شيء في سبيل حبه، حتى عن حريته أو حياته. ويقسم بأنه سيبقى متيمًا بها إلى الأبد، مهما حدث.

النهاية الحزينة

تنتهي القصيدة بنبرة حزينة، حيث يدرك الشاعر أن حبه لمحبوبته من طرف واحد:

ألا يا فتل يا من لا يحن إلى

ولا يطيق لفرط الكبر أن يصلي

ولا يدري بأن الشوق قد حرمني

طعامي وشرابي والرقاد الكلى

ولست لفاعل غير الذي فعلت

فلا زيدي فؤادي ما به من جوى

يواجه الشاعر حقيقة أن محبوبته لا تبادله الحب، بل تنظر إليه بكبر واستعلاء. ويتألم من إهمالها له، ويقارن شوقه إليها بالتعب الذي حرمه من الطعام والشراب والنوم. وفي النهاية، يستسلم الشاعر لحزنه ويطلب من محبوبته ألا تزيد من آلامه.

الخاتمة

تُعد قصيدة “لا السيف يفعل بي ما أنت فاعلة” لعبد الملك بن مروان تحفة أدبية تتجاوز غرض الغزل التقليدي. فهي تتناول موضوعات عميقة مثل طبيعة الحب، وأهمية الجمال الداخلي، والتضحية في سبيل الحب، وحسرة الحب من طرف واحد. وقد ألهمت القصيدة شعراء كثيرين على مر العصور، وما زالت تُتلى وتُغنى حتى اليوم، شاهدة على قوة الكلمة العربية وسحرها.

أضف تعليق